القائمة الرئيسية
جديد الموقع
القائمة البريدية
تابعنا على تويتر
WhatsApp تواصل معنا
96599429239+
البحث
الزيارات
عدد الزوار
عرض المادة
كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن خبث اللواط واللوطية والشواذ.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - :
قال الوليد بن عبد الملك:
)لولا أن الله ذكر قوم لوط في القرآن؛ ما ظننت أن ذكرًا يفعل هذا بذكر)
قلت: فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة، والفاحشة المذمومة، التي عذب الله أهلها بأنواع العقوبات، وأحل بهم أنواعًا من المثلات، التي لم يعاقب بها أحدًا من الأمم السالفات، وهي فاحشة اللواط، التي قد ابتلي بها غالب الملوك والأمراء، والتجار والعوام، والكتاب والفقهاء، والقضاة ونحوهم، إلا من عصم الله منهم.
فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد، ولهذا تنوعت عقوبات فاعليه
ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتى في دبره، فإنه يفسد فسادًا لا يُرجى له بعده صلاح أبدًا، إلا أن يشاء الله، ويذهب خبر المفعول به.
فعلى الرجل حفظ ولده في حال صغره وبعد بلوغه، وأن يجنبه مخالطة هؤلاء الملاعين، الذين لعنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد اختلف الناس: هل يدخل الجنة مفعول به؟ على قولين، والصحيح في المسألة أن يقال:
إن المفعول به إذا تاب توبة صحيحة نصوحًا، ورُزق إنابةً إلى الله وصلاحًا، وبدل سيئاتِه بحسنات، وغسل عنه ذلك بأنواع الطاعات، وغض بصره، وحفظ فرجه، وأخلص معاملته لربه= فهذا إن شاء الله مغفور له، وهو من أهل الجنة، فإن الله يغفر الذنوب للتائبين إليه.
{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
{فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وأما مفعول به صار في كبره شرًّا منه في صغره؛ فهذا توبته متعذرة، وبعيد أن يؤهل لتوبة صحيحة، أو لعمل صالح يمحو به ما قد سلف، ويُخشى عليه من سوء الخاتمة، كما قد وقع ذلك لخلق كثير ماتوا بأدرانهم وأوساخهم، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدنيا، وبعضهم خُتم له بشر خاتمة، حتى أوقعه عشق الصور في الشرك الذي لا يغفره الله.
وفي هذا الباب حكايات كثيرة وقعت للوطية وغيرهم من أصحاب الشهوات، يطول هذا الفصل بذكرها.
والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تَخْذُلُ صاحبَها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال الله تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا}.
بل قد وقع سوء الخاتمة لخلق لم يفعلوا فاحشة اللواط، وقد كانوا متلبسين بذنوب أهون منها.
وسوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يُسمع به، كما ذكره عبد الحق الأشبيلي؛ وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقدًا، وظاهره عملًا، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه؛ حتى ينزل به الموت قبل التوبة.
والمقصود أن مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، وكانت لا تُعرف بين العرب قديمًا، كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم.
فلهذا قال الوليد بن عبد الملك: )لولا أن الله -عز وجل- قصَّ علينا قصة قوم لوط في القرآن؛ ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا(.
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: )من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به (رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره.
وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ ثلاثَ مرات.
ولم يلعن على ذنب ثلاث مرات إلا عليه؛ وإنما أمر بقتل الفاعل والمفعول به لأنه لا خير في بقائهما بين الناس، لفساد طويتهما، وخبث بواطنهما، فمن كان بهذه المثابة فلا خير للخلق في بقائه، فإذا أراح الله الخلق منهما؛ صلح لهم أمر معاشهم ودينهم.
وأما اللعنة فهي الطرد والبعد، ومن كان مطرودًا مبعدًا عن الله وعن رسوله وعن كتابه وعن صالح عباده؛ فلا خير فيه ولا في قربه.
ومن رزقه الله تعالى توسمًا وفراسة ونورًا وفرقانًا= عرف من سحن الناس ووجوههم أعمالَهم، فإن أعمال العمال بائنة ولائحة على وجوههم، وفي أعينهم وكلامهم.
وقد ذكر الله اللوطية وجعل ذلك آياتٍ للمتوسمين، فقال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ . إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}، وما بعدها.
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ . وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ . وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، ونحو ذلك من الآيات والأحاديث.
فاللوطي قد عكس الفطرة، وقلب الأمر، فأتى ذكرًا، فقلب الله قلبه، وعكس عليه أمره، بعد صلاحه وفلاحه، إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى.
وخصال التائب قد ذكرها الله في آخر سورة براءة، فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}.
فلا بد للتائب من العبادة والاشتغال بالعمل للآخرة، وإلا فالنفس همامة متحركة، إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، فلا بد للتائب من أن يبدل تلك الأوقات التي مرت له في المعاصي بأوقات الطاعات، وأن يتدارك ما فرط فيها، وأن يبدل تلك الخطواتِ بخطوات إلى الخير، ويحفظ لحظاتِه وخطواتِه، ولفظاتِه وخطراتِه.
قال رجل للجنيد: )أوصني. قال: توبة تحل الإصرار، وخوف يزيل العزة، ورجاء مزعج إلى طرق الخيرات، ومراقبة الله في خواطر القلب(.
فهذه صفات التائب.
ثم قال الله تعالى: {الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} الآية.
فهذه خصال التائب كما قال تعالى: {التَّائِبُونَ}.
فكأن قائلًا يقول: من هم؟ قيل: هم العابدون السائحون إلى آخر الآية، وإلا فكل تائب لم يتلبس بعد توبته بما يقربه إلى من تاب إليه؛ فهو في بعد وإدبار، لا في قرب وإقبال، كما يفعل من اغتر بالله من المعاصي المحظورات، ويدع الطاعات، فإن ترك الطاعات وفعل المعاصي أشد وأعظم من ارتكاب المحرمات بالشهوة النفسية.
فالتائب هو من اتقى المحذورات، وفعل المأمورات، وصبر على المقدورات.
والله -سبحانه وتعالى- هو المعين الموفق، وهو عليم بذات الصدور.
البداية والنهاية (٩/ ١٨٤_١٨٦)
-
السبت AM 12:42
2021-10-16 - 6813