القائمة الرئيسية
جديد الموقع
القائمة البريدية
تابعنا على تويتر
WhatsApp تواصل معنا
96599429239+
البحث
الزيارات
عدد الزوار
عرض المادة
تحقيق القول في مشروعية التطوع بصوم السبت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن يوم عرفة من أفضل أيام السنة وأعظمها وأرفعها مقاما وأعلاها منزلة، فيه يباهي الله بعباده المؤمنين ملائكته، وأكثر ما يعتق فيه من النار، ندب الشارع فيه إلى الإكثار من الطاعات، والتقرب إلى الله بجميع ما يمكن من أنواع القربات، ووعد العباد فيه بأوفر الأجور وأجزل العطيات.
ومن أجل ما أمر به وندب إليه في يوم عرفة: الوقوف به لمن قصد حج البيت، بل جعله ركنا لا يتم الحج إلا به.
وأما غير الحاج فمن أعظم ما يتعبد به في يوم عرفة الصيام؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعدـ)).
فحري بمن أنعم الله عليه فأمدَّ له في الصحة والعمر حتى أدرك هذا اليوم أن يغتنم هذه الفضيلة ويشمر لحيازة هذه الأجور الجليلة.
وقد يشكل على بعض الناس أن يوافق عرفة يوم السبت هل يصومه أو لا؟؛ لما ورد في حديث عبد الله بن بسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"([1]).
فهل النهي هنا يحمل على عمومه، أو لا؟ لبيان ذلك نقول:
لا يخلو صيام يوم السبت من أحد خمس حالات:
الحالة الأولى: أن يكون ضمن فريضة رمضان فهذا يصام إجماعًا لأنَّه مستثنى في حديث النهي.
الحالة الثانية: أن يقرنه بصوم يوم قبله أو يوم بعده، فهذا أيضا صحيح جائز لدلالة حديث النهي عن إفراد الجمعة بصوم على جواز صوم السبت مع الجمعة، ولحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟»، قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غدا؟» قالت: لا، قال: «فأفطري»([2]). فدل الحديثان على جواز التطوع بصوم يوم السبت مع الجمعة.
الحالة الثالثة: أن يوافق السبت يوم صومه إن كان يصوم صيام داود أي: صيام يوم وإفطار يوم، فصحيح جائز لدلالة النص الصريح عليه.
الحالة الرابعة: أن يفرد يوم السبت بصيام تطوع فهذا هو الذي ورد به النهي.
الحالة الخامسة: أن يوافق يوم السبت بعض الأيام المشروعة للصيام كيوم عرفة ويوم عاشوراء والأيام البيض والست من شوال ونحو ذلك، وهذا محل الخلاف والإشكال؛ لتوارد الأمر والنهي فيه على محل واحد، إذ النهي فيه عموم، والأيام المشروعة تقتضي يوم السبت؛ ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى ترجيح حديث النهي فنهى عن صوم يوم السبت مطلقا إلا الفرض، بينما ذهب جمهور أهل العلم في القديم والحديث إلى تخصيص هذا العموم، أي: صحة صوم يوم السبت تطوعا ولو مفردا إذا اتفق مع أسباب شرعيَّة، وهذا هو الحق والصواب لما يلي:
لأن حديث عبد الله بن بسر مختلف في صحته، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّه شاذ لمخالفته مدلول بعض الأحاديث المتفق على صحتها، وعليه فلا يرقى إلى معادلة الصحيح إلا بما يعاضده من شواهد أخرى.
الإجماع على صحة وجواز صيام داود وهو صيام يوم وإفطار يومٍ، ولا شكَّ أنَّ قد يوافق يوم سبت ولم يقل أحد بعدم صيامه في هذه الحالة بناء على النهي.
أن النهي عن صوم يوم السبت الوارد في حديث عبد الله بن بسر وغيره عامٌّ في جميع أيام السبت، والعموم –كما تقرر عند جمهور الأصوليين- ظني الدلالة؛ لكثرة دخول التخصيص عليه، والأمر بصيام يوم عرفة خاصٌّ، ودلالة الخاص على المعنى المراد قطعيَّة، فلا تقاوم دلالة العموم دلالة الخصوص.
وممَّا يدل على أن عموم النهي عن صوم السبت ليس على إطلاقه تخلُّفه في كثير من المواضع التي لا يمترى فيها كصوم يوم السبت في رمضان، وصوم يوم وإفطار يوم بعده ونحو ذلك.
وممَّا يدل على عدم إرادة العموم في حديث النهي عن صوم يوم السبت ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن إفراد يوم الجمعة بصيام إلا بقرنه بيوم آخر قبله أو بعده، في قوله "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا يوما قبله أو بعده"([3]) ومعلوم أنَّ اليوم الذي بعد الجمعة هو السبت، فإذا جاز قرنه مع الجمعة في الصيام دلَّ على أنَّ النهي ليس على إطلاقه.
أنَّ الأمر بصيام يوم عرفة من ذوات الأسباب التي يستثنى بها النهي العامُّ؛ لما سبق من تقديم دلالة الخاص على العام عند التعارض وذوات الأسباب من جنس الخاص.
يرى كثير من أهل العلم أن النهي عن صيام السبت إنما ورد لحكمة معيَّنة وهي سدُّ ذريعة التشبه باليهود لتعظيمهم هذا اليوم، ومتى تخلف هذا القصد لدى المسلم جاز له أن يصوم يوم السبت.
فعلى المسلم ألا يفوت على نفسه صيام يوم عرفة لما فيه من الأجر العظيم الذي ندب الشارع إلى طلبه وتحصيله؛ فالحقُّ بإذن الله فيما ذهب إليه جماهير أهل العلم في القديم والحديث، بل هو الذي تعضده صرائح الأدلة ويزول به الإشكال، والحمد لله رب العالمين.
([1]) أخرجه أبو داود في سننه، باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم حديث (2421)، والترمذي في سننه باب ما جاء في كراهية صيام يوم السبت (3/111)، وابن ماجه باب ما جاء في صيام يوم السبت حديث (2/619). وغيرهم.
وقد اختلف أهل العلم في الحكم على الحديث من حيث الصحة والضعف، والذي يظهر –والله أعلم- صحته كما ذهب إليه الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (4/118).
([2]) أخرجه البخاري، باب صوم يوم الجمعة حديث (1986) (3/42).
([3]) متفق عليه، صحيح البخاري، باب صوم يوم الجمعة حديث (1985)، (3/42)، وصحيح مسلم باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردا، حديث (1144)، (2/801).
أ.د. حمد بن محمد الهاجري
أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الكويت
03/ذي الحجة/1440 الموافق 4/8/2019.
-
السبت AM 03:04
2021-10-23 - 1179