الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
مع بداية العمل العسكري والتفجير والقتل لمعصومي الدماء، الذي طال المسلمين فضلا عن المعاهدين، انطلقت التأويلات والتبريرات لأعمال التفجير، والتبرير والتأويل يهوّنان من شأن هذه الأعمال ويجعلانها في دائرة «العذر»، ويجعلان المنحرف راضيا بأعماله لأنها مبررة ومؤولة، كما أنهما يؤخران طريق الإصلاح، وربما استقطب التأويل من كان مترددا في تخطئة أعمال التكفير والتفجير.
مما روج له المتأولون لجماعة القاعدة في السعودية ان هؤلاء القوم «مرضى»، وقد تكلمت عن هذا التأويل في أكثر من مناسبة، وبينت أنهم مرضى فعلا، وان مرضهم مرض شبهات، وهذا شأن البدع عموما، وبينت كيف قاتل الصحابة الخوارج مع أنهم مبتدعة مرضى، وحقيقة الأمر ان هؤلاء القوم يرون مخالفيهم هم المرضى، ولربما قالوا عن مخالفيهم ( الحمد لله الذي عافانا )
ومما اعتذر البعض لهؤلاء الشباب أنهم عاطلون عن العمل، ومع مرور الوقت تبين سقوط هذا التأويل لأن من هؤلاء من هم من أبناء كبار التجار كالبقمي، ومنهم من كان موظفا مرموقا كفارس الشويل الزهراني، فانه كان قاضيا بالمحكمة الشرعية، مع ان عموم شباب الدعوة كان هناك من يزهدهم في الوظائف الحكومية حتى قال الشيخ سلمان العودة في محاضرته «دلوني على سوق المدينة»: «متى يترك الشباب هذا الطاغوت الوظيفة».
ومن التأويلات التي اعتُذر بها لهؤلاء المفجرين دعوى ان هؤلاء الشباب لما رجعوا من أفغانستان لم يستوعبهم المجتمع، بل وضيقت عليهم أجهزة الأمن وطاردتهم حتى زاد تطرفهم وآل الأمر إلى ما نراه اليوم.
وهذا الكلام باطل من وجهين:
الأول: ان هؤلاء الشباب لما رجعوا من أفغانستان لم تتعرض لهم الدولة اطلاقا، وتُركوا سنوات وانخرط منهم من شاء في المجتمع، حتى وقع أول حادث تفجير في «العليا» بالرياض، فحينئذ أخذت الدولة في إجراءاتها وتدابيرها الأمنية، لتكشف خيوط الجريمة، ولتمنع تكرارها في المستقبل، فهل يريد هؤلاء ان تتركهم الدولة يفعلون ما شاءوا حتى لا يقال ان هؤلاء سيزيدون تطرفا بالملاحقة؟
الثاني: إقرار مقاتلي القاعدة أنفسهم أن إعمالهم التفجيرية الإرهابية ليست ردا للفعل، ولا بسبب التضييق والمطاردة لهم في ارض السعودية، فهل يستقيم إذا الاعتذار لهم بهذا التأويل؟!
وها أنا أسوق لك إقرارهم بذلك حتى يتبين المرء حقيقة التضليل الذي يمارسه المتأولون لولاة الأمر، ولشعبهم، وبلدهم، وإسلامهم!
ففي العدد الرابع عشر من مجلتهم «صوت الجهاد» ص29 - 30 أوردوا سؤالا نصه ما يلي: السؤال السادس: هل قامت الحركة الجهادية بسبب التضييق والمطاردة في بلاد الحرمين؟
حقيقة هذا التساؤل تصور ان الحركة الجهادية لم تقم من دوافع أساسية، بل كانت ردة فعل على الحملة الصليبية التي تشنها الحكومة السعودية على الجهاد والإسلام عامة، أو ان الحملة على الأقل دفعت الحركة الجهادية للتخلي عن الشروط العسكرية اللازمة لبدء المعركة تحت الضغط السعودي.
وهذا مخالف للواقع تماما، ولو فُرض انه هو الواقع فلا بأس به، فقد قال الله تعالى «أُذن للذين يُقاتلون بإنهم ظلموا» والدفاع عن النفس والثأر من العدو الكافر من الموجبات الشرعية المتفق عليها للقتال في سبيل الله.
ولكن الحركة الجهادية في جزيرة العرب لم تقم أساسا لأجل هذه الحملة المؤخرة، والتضييق الذي انطلق بانطلاقة الحملة العالمية الصليبية ضد الإرهاب، بل سبق هذه الحملة تمهيد وتوطئة طويلة الأمد، من عدد من العلماء والدعاة والمصلحين، ومن شيخ المجاهدين أسامة بن لادن، منذ سنين عديدة تزيد على عشر سنوات سبقت قيام الحركة الجهادية كمشروع حرب عصابات، وان تخلل هذه المدة شيء من العمليات الجهادية.
ثم تابعوا الجواب عن السؤال وقالوا: «من العجيب تصور من يتصور ان المجاهدين قاموا بذلك بعد ان ضيق عليهم من قبل الحكومة، فلماذا سلكوا طريق الجهاد في الأصل قبل ان ينالهم أي تضييق؟ أليست طريق الجهاد هي طريق القرح والضراء والخوف والجوع وزلزلة الأقدام وبلوغ القلوب الحناجر؟
المجاهدون يُنادون بإخراج المحتل من بلاد الحرمين منذ سنوات عديدة، فليست فكرة طارئة اختمرت في الرؤوس في أجواء الخوف والتضييق، كما يتصور من يطرح هذه الشبهة، كلا بل هو منهاج واضح يدعون إليه ويبينونه للناس منذ سنوات عديدة، لو تأمل المتسائل لوجد أن شريحة واسعة من هؤلاء المجاهدين الذين طُلبوا خلال هذه الفترة كانوا في الأصل بعيدين عن أعين الدولة، ونسبة من هؤلاء لم يخرجوا إلى الجهاد في العراق أو الشيشان أو البوسنة أو غيرها من قبل، بل الدولة تجهل أي علاقة لهم وصلة بالجهاد».
وتوسعوا في الجواب حتى قالوا: «فالواقع ان المجاهدين عملوا فُطلبوا، لا انهم طُلبوا فعملوا».
فالمقصود هو بيان زيف هذه التأويلات حتى يسقط قناع المتأولين لهم، والله أعلم. |