إن المسلم يجب عليه أن يحسن التأدب بألفاظه وأفعاله مع الله عز
وجل لأن الله سيده ومولاه بل له السيادة المطلقة وأما الإنسان فهو عبد لله
ومن واجبات العبد أن يحسن الخطاب مع سيده فيلتمس أحسن الألفاظ ويقوم بأحسن
الأفعال لسيده وهو رب العالمين رغبة ورهبة له.
ما نشاهده قبل أيام من طقس حار, رياح شديدة وتارة خفيفة معتدلة السرعة وما
تحمله هذه الرياح من غبار يجب على كل مسلم أن يعتقد أن هذه الأمور تحدث
بأمر الله وفي غاية الحكمة فما يكون في دول من جو لطيف وممطر هو الذيفعل في هذه
الدول الحارة المغبرة فالله يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وله
الحكم واليه يرجعون.
وتحقيق التوحيد كما يكون في الأفعال يكون كذلك في الألفاظ فإن الأدب
واختيار أحسن الألفاظ التي لا إساءة فيها بوجه من الوجوه دليل على كمال
الإخلاص والتعظيم لله عز وجل وانظر ماذا قال إبراهيم عليه السلام تأدبا مع ربه
((وإذا مرضت فهو يشفين)) اسند المرض الى نفسه وان كان عن قدر الله وقضائه ولكن أضافه
الى نفسه أدبا في الخطاب مع ربه تبارك وتعالى.
عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(قال الله تعالى : يؤذيني ابن ادم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب
الليل والنهار) رواه البخاري , وفي مسلم (لا تسبوا الدهر فإن الله هو
الدهر)
السب هو اللعن والشتم والتوبيخ والذم وما أشبه ذلك والدهر هو الزمان والوقت
وسب الدهر ينقسم الى«ثلاثة أقسام»
القسم الأول أن يقصد الخبر المحض دون اللوم أو السب مثال ذلك تقول«الجو حار
أو بارد أو مغبر» فهذا جائز
القسم الثاني إن يسب الدهر على أنه هو الفاعل والمتصرف ويقلب الأمور من ليل ونهار
وغير ذلك كما قال تعالى(وقالوا ماهي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا
الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) فهذا الاعتقاد شرك وكفر لأنه اعتقد مع
الله خالقا ومصرفا لأنه نسب الحوادث الى غير الله.
القسم الثالث أن يسب الدهر لا لاعتقاد انه الفاعل كالقسم الثاني ولا من باب
الإخبار كالقسم الأول وإنما يسبه لأنه محل هذه الأمور التي يكرهها فهذا
محرم كأن يقول «الله يلعن هذا اليوم أو ياخيبة الزمن أو زمن سيئ» فهذا كله
يعتبر سوء أدب مع الله لأن تقلب الليل والنهار بيد الله والليل والنهار
مخلوقان لا حول لهما ولا قوة فما يحدث فيهما من تقلبوتصريف للأمور هو بيد الله
وهناك فرق بين الخبر والسب فالأول يكون من باب الإخبار كقول الرجل«هذا
اليوم حره شديد أو هذا اليوم كثير الغبار«ويدل على الجواز كقوله تعالى (في
يوم نحس مستمر) ومنه قول لوط عليه السلام(هذا يوم عصيب) فوصف هذا اليوم بأنه
شديد وبأنه نحس وهذا من باب الوصف الخبري وليس من باب السب والشتم والتحقيرجاء
في الحديث«الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعالما»
والمراد بالدنيا ليس الدهر لان الدهر هو الليل والنهار وإنما الكلام ما يفعله
الناس في الليل والنهار ويستثنى ما يكون فيها من خير قوله «يؤذيني ابن ادم» لا
يلزم من الأذى الضرر فالإنسان قد يتأذى لسماع القبيح أو مشاهدته ولكن لا يتضرر وهناك
فرق بين الضرر والأذى قال تعالى«إنهم لن يضروا الله شيئا» وقوله تعالى«إن الذين
يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا«. فاعلم
أيها القارئ أن الدهر ليس عنده من الأمر شيء فإنه مدبر ومصرف يصرفه العزيز الحكيم
كما قال تعالى «وهو الذي يرسل الرياح».
ففي الحقيقة أن السب والعيب يقع على مدبره ومصرفه لأن الرياح مخلوقة لا حول
لها ولا قوة أرأيت لو أنك عبت على صنعة أو منزل أو ديكور فإن العيب يعود
على المهندس أو الصانع الذي قام بالفعل ولله المثل الأعلى فالله عز وجل هو
الذي قام بتصريف الرياح ولا يسأل عما يفعل وأفعاله سبحانه وتعالى في غاية
الحكمة ومعنى قوله«فإن الله هو الدهر» أي فاعل النوازل والحوادث وخالق
الكائنات ومقلب الليل والنهار.
كتبه فيحان الجرمان
|