القائمة الرئيسية
جديد الموقع
القائمة البريدية
تابعنا على تويتر
WhatsApp تواصل معنا
96599429239+
البحث
الزيارات
عدد الزوار
عرض المادة
حكم مشاركة الكفار في أعيادهم
الحمد لله الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، وشرع لنا الدِّين القويم، والصلاة والسلام على مَن أُوحي إليه أنْ يتّبع مِلَّة أبيه إبراهيم، وعلى آله وصحبه الذين بلَّغوا إلينا هذا الشرع الحكيم؛ كما أُنزل على النبي الكريم.
وبعد: فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- لم يقبض نبيَّه -المجتبى- حتى أكمل علينا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، وحذَّرنا مِن اتباع سنن مَنْ كان قبلنا؛ حتى لا ننحرف عن المحجة البيضاء؛ التي تركنا عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال -عزّ مِن قائل-:
﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾
[الأنعام:153]
قال القرطبي -رحمه الله-: "وَهَذِهِ السُّبُلُ تَعُمُّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ، وَسَائِرَ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ..."([1]). وروى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟!»([2]).
وقد اعتاد النصارى في هذه الأيام -مِن كل سنة- أنْ يحتفلوا بعيد ميلاد المسيح، وعيد رأس السَّنَة الميلادية، ويشاركهم في الاحتفال بهما جمع غفير مِن المسلمين؛ ممن ابتُلوا بتقليد الكفار، والتشبه بأصحاب الجحيم، والانبهار بأصحاب المِلَل والنِّحَل المنحرفة؛ الأمر الذي يوجِب على العلماء -وطلبة العلم والدعاة إلى صراط الله المستقيم- التذكيرَ بجذور هذين العيدين، وبيانَ حكمهما الشرعي؛ مدعومًا بأدلة الكتاب والسنة والإجماع، وأقوال السلف الصالح مِن الصحابة والأئمة مِن بعدهم؛ ليكون ذِكْرَى لِمَن كان لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ.
لمحة تاريخية عن عيد ميلاد المسيح، وعيد رأس السنة (الكريسماس):
إنَّ الاحتفال بعيد ميلاد المسيح أمر حادث في الديانة المسيحية، حيث لم يرِد ذِكره في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ولا عن المسيح -عليه السلام-، أو أحدٍ مِن أصحابه وحوارييه، وإنَّمَا تسرّب الاحتفال به إلى المسيحية في القرن الرابع الميلادي؛ عن طريق الرومان الوثنيين؛ الذين كانوا يحتفلون في نفس اليوم بعيد ميلاد أحد آلهتهم، ولما كان النصارى لا يعرفون عيد ميلاد المسيح معرفة مؤكدة، أصدرت الكنيسة الغربية -في القرن الخامس الميلادي- قرارًا رسميًّا باتخاذ يوم الاحتفال الروماني الوثني عيدًا لميلاد المسيح، إلى الأبد.
ولا يختلف الأمر -أيضًا- عن الاحتفال بعيد رأس السَّنَة (الكريسماس)؛ لأنَّ أصله وثنيّ رومانيّ، كان الرومان يُقَدِّمُون فيه الهدايا للآلهة، فلما دخلوا النصرانية نقلوه إلى دينهم الجديد، وقد ساعد على اعتباره عيدًا دينيًّا مسيحيًّا -منذ ذلك الوقت- سكوت الرّهبان عن إنكار هذه البِدعة الشَّنيعة؛ خوفًا مِن قسطنطين ملك الرومان؛ الذي كان له نفوذ وقوة، وقد أحدثوا لهذا العيد أصولًا دينية؛ نَسَبوها إلى المسيح، بهتانًا وزورًا، وسمّوه: عيد الختانة!
وبهذا يتّضح أنَّ الديانة المسيحية -بعد دخول الرومان فيها- أصبحت مخلوطة بالوثنية الرومانية، ويدخل فيها عيد ميلاد المسيح وعيد الكريسماس، ومما ساعد على انتشار عيد الكريسماس -وشهرته- اعتماد أكثر دول العالم عليه في التقويم؛ في مختلف المجالات الحياتية، وقد نتج عن ذلك إهمال كثير مِن المسلمين تاريخهم الهجري؛ الذي له ارتباط وثيق بأحكامٍ فقهية كثيرة على مدار السنة.
حكم المشاركة في أعياد الكفار:
قبل سوق الأدلة الواردة في ذلك ينبغي الإشارة إلى أنَّ عيد ميلاد المسيح وعيد الكريسماس يشتملان على أمور ثلاثة -مُحَرَّمَة قَطعًا- هي:
- الشرك بالله: الذي هو أعظم الذنوب.
- والبدعة: حيث إنَّ أصلهما وثني دخيل في دينٍ محرف.
- والتشبه بالكفار: الضالين الذين ندعو الله -سبحانه وتعالى- كل يوم وليلة -في صلواتنا- أنْ يُجَنِّبَنا طريقهم.
ويدل على تحريم التشبه بالكفار -والمشاركة في أعيادهم الدينية- أدلة مِن الكتاب والسنة والإجماع، منها:
1- قال تعالى:
﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾
[الحديد:16].
2- ما رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»([3]).
3- أجمع الصحابة -والأئمة مِن بعدهم- على إنكار أعياد الكفار؛ فإنَّ اليهود كانوا في المدينة وخيبر، وما نُقِل عن أحدٍ مِن الصحابة مشاركتهم في أعيادهم بشيءٍ مِن ذلك، وقد نَقَل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- الإجماع على تحريم التشبه بالكفار([4]).
ويَتَبَيَّن بهذه النُّقول -الصحيحة الصريحة- أنَّه لا يجوز لمُسلِمٍ أنْ يشارك في أعياد الكفار الدينية؛ بأي وجه مِن الوجوه، سواء أكانت تهنئةً لهم فيها، أو ذهابًا إلى أماكن عبادتهم، أو قبولًا لهداياهم؛ بمناسبتها، أو تعاونًا معهم في نجاحها؛ كبيعهم الأدوات التي يحتاجون إليها، أو تأجيرهم لها، أو إعارتها، أو هبتها لهم؛ لأنَّ ذلك تعاون على الإثم الذي حَرَّمه الله -تعالى- علينا في كتابه القويم، ومضادٌ لكلمة الإخلاص؛ التي مِن أجْلِها أرسل الرُّسُل، وانقسم الناس -بسببها- إلى مؤمِنٍ وكافِرٍ.
وقد وردت عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- والأئمة مِن بعدهم آثار كثيرة -صحيحة صريحة- بخصوص تحريم مشاركة أعداء الله في أعيادهم؛ منها:
1- قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-:
"لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ"([5]).
2- قول عمر رضي الله عنه -أيضًا-:
"اجْتَنِبُوا أَعْداءَ اللَّه فِي عِيدِهِمْ"([6]).
3- قول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-:
"مَنْ بَنَى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ، وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ، حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"([7]).
4- قال ابن تيمية - رحمه الله-:
"فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم مِن إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟!"([8]).
5- قال ابن القيم -رحمه الله-:
"لا يجوز للمسلمين مُمَالأتُهم عليه، ولا مُساعَدتهم، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم". وقال أيضا: "وأما التهنئة بشعائر الكفر -المختصة به- فحرامٌ بالاتفاق، مثل أنْ يُهنِّئهم بأعيادهم وصومهم"([9]).
6- قال ابن النحاس -رحمه الله-:
"واعلم أنَّ أقبحَ البدعِ -وأشنعَها- موافقةُ المسلمين للنصارى في أعيادهم؛ بالتشبه بهم، وفي ذلك مِن الوهنِ في الدين، وتكثيرِ سوادِ النصارى، والتشبهِ بهم، ما لا يخفى، فالواجبُ على كل قادر أنْ يُنكرَ على أهل الذمةِ التظاهرَ بأعيادهِم ومواسمِهم، ويمنعَ مَن أراد مِن المسلمين التّشبّهَ بهم في شيءٍ مِن أفعالهِم، ومأكلهِم، وملابسهم، ومخالطتِهم فيها، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"([10]).
وخلاصة الكلام:
فإنَّ للشريعة حكمًا في النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم، والتّشبّه بهم، منها: حفظ قلب المسلم مِن تسرّب حب أعداء الله فيه؛ فإنَّ مشاركتهم في مناسباتهم ينشأ عنها التآلف والتقارب؛ الذي هو ذريعة إلى الحب والتودد، ومعلوم أنَّ ذلك مضاد لعقيدة الولاء والبراء الواردة في قول الله -تعالى-:
﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾
[المجادلة:22].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
([1]( انظر: تفسير القرطبي (7/138).
([2]) أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (7320)، ومسلم في "صحيحه" برقم (2669).
([3]) أخرجه أبو داود في "سننه" برقم (4031)، وصححه الألباني.
([4]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/390).
([5]) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" برقم (1609)، وصححه ابن تيمية.
([6]) أخرجه البيهقي في "الكبرى" برقم (18862).
([7]) أخرجه البيهقي في "الكبرى" برقم (18863)، وصححه ابن تيمية.
([8]) اقتضاء الصراط المستقيم (1/510).
([9]( أحكام أهل الذمة (1/441).
([10]) تنبيه الغافلين (ص500).
-
الاربعاء PM 11:32
2021-12-29 - 1421